18 - 09 - 2024

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة

هذا مقال من قلب مجروح.من الضعف المهين والتواطؤ المزري والخيانة مكشوفة الوجه والضمير والصمت المخزي والمقهور معا.. وتحجر القلوب القاسية والتهاون الفاضح وموت النخوة وانتحار الشهامة والتخلي عن المظلوم.. ومناصرة الظالم صمتا وضعفا ومؤامرة!

جرحتم قلبي أيها الملاعين! 

 ولنسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، فقسوة الوقع أوضح من أن نتلطف بالألفاظ أو نجنح للدبلوماسية الباردة لنغطى بها جرائم حرب أو نمنطق بها إبادة مجرمة أو لنفسر بها ما لايمكن أن يفسر إلا بحمل السلاح لإيقاف الجنون والانتقام والجشع والأهداف المخفية عن الكثيرين والواضحة جدا للوطنيين والمؤمنين!

 ولكن للواقع المرير حساباته القبيحة وللقدرة الفعلية الواقعية الظالمة بحساباتها الدقيقة.. ولكن من أوصلنا إلى هذا الهوان كأمة عربية وإسلامية؟ من أوصلنا إلى هذا العجز المزري غير القادر حتى عن توصيل رشفة ماء أو قطعة خبز أو بعض من وقود يوقف المستشفيات على قدمها، فلا تجري عمليات بدون بنج  لتضيف لآلام الجرحى خاصة من الاطفال جرعة عذاب اضافية . أو ليضطر الطبيب أن يفاضل من الأولى بإسعافه لضيق ذات اليد من المستلزمات الطبيبة او من الوقود اللازم للتشغيل الطبى.  

 من أوصلنا إلى هذا الهوان، حتى نستاذن من القاتل ان يسمح لنا بمساعدة ضحيته على الحياة وننتظر منه الإنصاف وهو المحتل الغشيم والذي يخطط منذ بداية القرن لانتزاع أرض العرب من النيل إلى الفرات بادعاء أنها حقه بوصية الرب الذى اخترعوه من مخيلتهم، وبعيدا عن رب موسى الذي حكم عليهم بالتيه اربعين عاما بعد كفرهم وتمردهم عليه.

 تلك حرب كاشفة للجميع.. وهذه حرب تعلي من قدر المقاومة والشعب الفلسطينى على حد سواء، ذلك الشعب التى تراجعت قضيته إلى أدنى درجات الاهتمام العالمي، بينما يتقدم المحتلون إلى أعلى درجات الانتصار وهم يضيفون مستوطنة إلى أخرى بأريحية يحميها طغاة العالم، وفى طريقهم يقتلون ويذلون ويسجنون شعبا بأكمله على مرأى من العالم الصامت والمخدوع فى آن واحد بتأثير آلة إعلامية احترافية تجيد فرض المعلوم من الكذب والخديعة على أنه واقع، فى الوقت الذى لايستطيع فيه العالم العربي تسويق الحقيقة وإظهار جرائم يرتكبها الاحتلال لا ينبغي الصمت عليها، وأن الثورة على المحتل والقتال ضده حق أصيل للشعوب الحالمة بالتحرر من المغتصب المجرم.   

فشلنا فشلا ذريعا فى كل شيء، حتى أننا أصبحنا نختلف على حق الفلسطينيين فى تحرير أرضهم مع أنه حق أصيل تكفله المواثيق الدولية والتى مسحت بها إسرائيل أرض المنظمات الدولية استخفافا واستهانة واعتمادا على مبدأ القوة الذي لا تعترف إلا به، لذلك فعلت إسرائيل كل ما فعلته لأنها ببساطة تستطيع وواثقة من عدم قدرة أحد على محاسبتها مادامت ملتحفة بحليفتها الكبرى أمريكا!

 ماذا فعلنا نحن كأمة عربية وإسلامية  لنوقف المجازر التى وصلت للإبادة والتطهير العرقي إلا المناشدات التى هي أقرب إلى الاستجداءات؟ لم نستطع كأمة عربية أن نستخدم ورقة ضغط واحة يوقف المجازر، بينما ترسل أمريكا بمنتهى التبجح أساطيلها لتخوف بها ضعفاء القدرة والإمكانيات، ولا يجرؤ كل القادرين المتواطئين بحسابتهم القبيجة على أن ينطقوا بحرف، ولم نستطع إنجاز فعل واحد يخيفهم أو يهدد مصالحهم التي لايعترفون إلا بها، أو يغل يدهم عن الإبادة. لا شيء سوى مراقبة المآسى بدموع حارة تارة وباردة وقاسية تارة أخرى، وربما يسمح العدو بتمرير بعض المساعدات الهزيلة بحكم تحكمهم بها  وبما يوافق تحقيق أهداف عدوانها وشل حركة المقاومة واستمرار استهداف المدنيين من النساء والأطفال!

العدوان على غزة له أهداف وأسباب بدأ العالم ينتبه إليها، فبالموازاة مع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بعد تهجيرها يتم الاستيلاءعلى الغاز الفلسطينى مغنم غزة الكبير، وتمهيدا لإنشاء قناة بن جوريون الموازية لقناة السويس بغية إضعافنا نحن أيضا وتتحين فرصة ضعفنا للاستيلاء على أرضنا وهى ضمن مخططها الأكبر الذي لم تخفه يوما، وربما مؤامرات أخرى لم نفطن لها بعد. 

كل هذا يحدث ونحن لم نعد لهم ما استطعنا من قوة ورباط الخيل "نرهب به عدو الله وعدونا" كما أمرنا ديننا الحنيف وهو ما أوصلنا لهذا العجز المزري!

قضية فلسطين كانت دائما قضية أمن قومى مصري, فبحماية حدودنا الشرقية نحن نحمى أمننا القومي ولعل من أهم المواقف المصرية الواضحة والحاسمة أن مصر لن تسمح بالتهجير لتصفية القضية الفلسطينية أمل إسرائيل الكبرى وهدفها الأعظم. لم يطالب أحد بالحرب السافرة والمواجهة العسكرية المعلنة إلا إذا هدد أمننا القومى. ولكن للحرب وجوه أخرى فاعلة وقادرة على الإسهام بإيجابية فى مساعدة الفلسطينيين, وليس كل مساعدة يمكن الجهر بها. أرجو أن تكون تلك سياسة بعض الدول سوف يكشفها المستقبل بعد هدوء المدافع!

أما عن المقاومة الوطنية أيا ما كان اسمها، فلها شرف المبادأة فى معركة التحرير ولها شرف الدفاع عن الأرض، ولها شرف عدم قبول الذل والهوان كأمر واقع مريح للبعض، ولها شرف أنها أعطت الأمة العربية الأمل في أنها تستطيع إذا أرادت أن تبدأ بالفعل في كل المجالات، بما فيها النضال المسلح إذا ما اقتضى الأمر، أمام عدو مجرم لايؤمن له فى التخطيط للاستيلاء على الأراضى العربية من النيل للفرات.

أثبتت لنا المقاومة أنه بالتخطيط والعلم والإيمان قادرة على تحقيق المستحيل، ولا ننسى أبدا أن للحرية لها ثمن وأن شعب الجزائر ضحى بمليون شهيد ليحصل على حريته، وليست غزة بأقل نبلا واستبسالا، فلها ثواب الشهادة والصبر، وبشر الصابرين! 

عرفنا التاريخ، وها هي غزة تثبت لنا أن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن السلاح يحمى دائما ظهر المفاوض لنيل الحقوق التى مهدت المقاومة الطريق لها، ولسوف يأتي الوقت بعد سكوت القنابل أن نعرف.. من الذى وقف وقفة رجال, ومن الذى تواطأ ومن الذى صمت صمت الضعفاء المقهورين، ومن الذي خان وشارك العدو بوجه كالح وتخلى عن عروبته. سوف يخزيهم الله فى الدنيا والآخرة بإذنه وجبروته، وبشر المقاومين والشهداء منهم، الذين هم عند ربهم يرزقون.
--------------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني 

   

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة